فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي {مَكَانَ البيت} وجهان، أظهرُهما: أنَّه مفعولٌ به. والثاني: قال أبو البقاء: أَنْ يكونَ ظرفًا. وهو ممتنعٌ من حيث إنّه ظرفٌ مختصٌّ فحَقُّه أن يتعدى إليه بـ: في.
قوله: {أَن لاَّ تُشْرِكْ} في أنْ هذه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنَّها هي المفسَّرةُ. قال الزمخشري: بعد أَنْ ذكَرَ هذا الوجه: فإن قلتَ: كيف يكونُ النهيُ عن الشرك والأمرِ بتطهيرِ البيتِ تفسيرًا للتبوِئَةِ؟ قلت: كانت البتوئةُ مقصودةً من أجل العبادةِ، وكأنه قيل: تعبَّدْنا إبراهيم قُلْنا له: لا تُشْرِكْ. قلت: يعني أبو القاسم أنَّ أن المفسرةَ لابد أن يتقَدَّمها ما هو بمعنى القولِ لا حروفِه، ولم يتقدَّم إلاَّ التَّبْوِئَةُ وليست بمعنى القول، فضَمَّنها معنى القول، ولا يريدُ بقوله: قلنا: لا تشرك تفسيرَ الإعراب بل تفسيرُ المعنى؛ لأنَّ المفسِّرةَ لا تفسِّر القولَ الصريح.
وقال أبو البقاء: تقديرُه: قائِلين له: لا تشركْ فـ: أن مفسرةٌ للقولِ المقدَّر. وهذا...
الثاني: أنَّها المخففةُ من الثقيلةِ، قاله ابن عطية. وفيه نظرٌ من حيث إن أن المخففةَ لابد أَنْ يتقدَّمَها فعلُ تحقيقٍ أو ترجيح، كحالِها إذا كانَتْ مشددة.
الثالث: أنها المصدريةُ التي تنصِبُ المضارعَ، وهي تُوْصَلُ بالماضي والمضارعِ والأمرِ، والنهي كالأمر. وعلى هذا فـ: أن مجرورةٌ بلام العلةِ مقدرةً أي: بَوَّأناه لئلا تشركَ. وكان من حقِّ اللفظِ على هذا الوجه أن يكون أن لا يشرك بياء الغَيْبةِ، وقد قرئ بذلك. قال أبو البقاء: وقوى ذلك قراءة مَنْ قرأه بالياء يعني مِنْ تحتُ. قلت: ووجهُ قراءة العامَّةِ على هذا التخريج أن تكونَ من الالتفاتِ من الغيبة إلى الخطاب.
الرابع: أنها الناصبةٌ، ومجرورةٌ بلام أيضًا. إلاَّ أن اللامَ متعلقةٌ بمحذوفٍ أي: فَعَلْناه ذلك لئلا تشركَ، فجعل النهيَ صلةً لها. وقوَّى ذلك قراءة الياء. قاله أبو البقاء والأصلُ عدمُ التقديرِ مع عدمِ الاحتياج إليه.
وقرأ عكرمة وأبو نهيك {أن لا يُشرِك} بالياء. قال الشيخ: على معنى: أَنْ يقول معنى القول الذي قيل له. وقال أبو حاتم: ولابد مِنْ نصبِ الكافِ على هذه القراءة بمعنى لئلا تشركَ. قلت: كأنه لم يظهرْ له صلةٌ أنْ المصدرية بجملةِ النهي. فجعل لا نافيةً، وسلَّط أن على المضارعِ بعدها، حتى صار علةً للفعل قبله. وهذا غيرُ لازمٍ لِما تقدَّم لك من وضوحِ المعنى مع جَعْلِها ناهيةً.
قوله: {وَأَذِّن}: قرأ العامَّةُ بتشديد الذال بمعنى نادِ. وقرأ الحسنُ وابن محيصن {آذِنْ} بالمدِّ والتخفيف بمعنى أعْلِمْ. ويُبْعِدُه قوله: {فِي الناس} إذ كان ينبغي أَنْ يتعدَّى بنفسِه. وقرأ أيضًا فيما نقله عنهما أبو الفتح {أَذِنَ} بالقصر وتخفيف الذال. وخرَّجها أبو الفتح وصاحب اللوامح على أنها عطفٌ على {بَوَّأنا} أي: واذكرْ إذ بَوَّأْنا وإذ أَذِنَ في الناس وهي تخريجٌ واضح. وزاد صاحب اللوامح فقال: فيصيرُ في الكلام تقديمٌ وتأخيرٌ ويصير {يأتوك} جزمًا على جواب الأمر الذي في {وطهِّرْ}: ونَسَب ابنُ عطية أبا الفتح في هذه القراءة إلى التصحيفِ فقال بعد أن حكى قراءة الحسنِ وابن محيصنٍ {وآذِنْ} بالمَدِّ وتَصَحَّفَ هذا على ابن جني فإنَّه حكى عنهما {وأَذِنَ} على فعلٍ ماضٍ. وأعربَ على ذلك بأَنْ جَعَلَه عطفًا على {بَوَّأْنا}.
قلت: ولم يَتَصَحَّفْ فِعْلُه، بل حكى تلك القراءة أبو الفضل الرازي في اللوامح له عنهما، وذكرها أيضًا ابنُ خالويه، ولَكِنه لم يَطَّلِعْ عليها فنسَب مَنْ اطَّلع إلى التصحيفِ ولو تأنَّى أصاب أو كاد.
وقرأ ابنُ أبي إسحاقَ {بالحِجِّ} بكسرِ الحاء حيث وَقَع كما قَدَّمْتُه عنه.
قوله: {رِجَالًا} نصبٌ على الحالِ، وهو جمعُ راجِل نحو: صاحِب وصِحاب وتاجِر وتِجار وقائِم وقِيام. وقرأ عكرمة والحسن وأبو مجلز {رُجَّالًا} بضمِّ الراء وتشديدِ الجيمِ. ورُوي عنهم تخفيفُها. وافقهم ابنُ أبي إسحاق على التخفيفِ وجعفر من محمد ومجاهدٌ على التشديد. ورُوِيَتْ عن ابن عباس بالألف. فالمخفف اسمُ جمعٍ كظُؤَار، والمشدَّدُ جمعُ تكسيرٍ كصائم وصُوَّام. ورُوي عن عكرمةَ أيضًا {رُجَالى} كنُعامى بألف التأنيث، وكذلك عن ابنِ عباس وعطاء، إلاَّ أنهما شدَّدا الجيمَ.
قوله: {وعلى كُلِّ ضَامِرٍ} نسَقٌ على {رِجالًا} فيكون حالًا أي: مُشاةً وركبانًا.
قوله: {يَأْتِينَ} النونُ ضميرُ {كلِّ ضامِرٍ} حَمْلًا على المعنى؛ إذ المعنى: على ضوامرَ. و{يَأْتِيْنَ} صفةٌ لـ: {ضامِر}. وأتى بضميرِ الجمعِ حَمْلًا على المعنى. وكان قد تقرَّر أولَ هذا التصنيفِ أنَّ {كل} إذا أُضِيْفَتْ إلى نكرةٍ لم يُراعَ معناها، إلاَّ في قليلٍ كقوله:
جادَتْ عليه كلُّ عَيْنٍ ثَرَّةٍ ** فتركْنَ كلَّ حَديقةٍ كالدِّرْهَمِ

وهذه الآية تَرُدُّه؛ فإنَّ كلًا فيها مضافةٌ لنكرةٍ وقد روعي معناها. وكان بعضُهم أجاب عن بيتِ زهير بأنه إنما جاز ذلك لأنه في جملتين، فقلت: فهذه الآية جملةٌ واحدةٌ لأنَّ {يَأْتِيْنَ} صفةٌ لـ: {ضامِر}.
وجَوَّز الشيخ أَنْ يكونَ الضميرُ يَشْمَلُ رجالًا وكل ضامر قال: على معنى الجماعات والرفاق قلت: فعلى هذا يجوزُ أَنْ يقال عنده: الرجال يَأْتِيْنَ.
ولا ينفعُه كونُه اجتمع مع الرجال هنا كلُّ ضامر فيقال: جاز ذلك لَمَا اجتمع معه ما يجوزُ فيه ذلك؛ إذ يلزمُ منه تغليبُ غيرِ العاقلِ على العاقلِ، وهو ممنوعٌ.
وقرأ ابن مسعود والضحاك وابنُ أبي عبلة {يَأْتُونَ} تغليبًا للعقلاءِ الذكورِ، وعلى هذا فيحتمل أَنْ يكونَ قوله: {وعلى كُلِّ ضَامِرٍ} حالًا أيضًا. ويكون {يَأْتُون} مستأنفًا يتعلَّقُ به {مِن كُلِّ فَجٍّ} أي: يَأْتُوك رِجالًا وركبانًا ثم قال: يأتون من كلِّ فَج، وأَنْ يتعلَّقَ بقوله: {يَأْتُون} أي: يأتون على كلِّ ضامرٍ من كلِّ فَج، و{يَأْتُون} مستأنفٌ أيضًا. ولا يجوز أن يكونَ صفةً لـ: {رجالًا} ول {ضامِر} لاختلافِ الموصوفِ في الإعراب؛ لأنَّ أحدَهما منصوبٌ والآخر مجرورٌ. لو قلت رأيتُ زيدًا ومررت بعمرٍو العاقِلَيْن على النعتِ لم يَجُزْ، بل على القطعِ. وقد جَوَّزَ ذلك الزمخشري فقال: وقرئ: {يِأْتُون} صفةً للرجال والركبان. وهو مردودٌ بما ذكرتُه.
والضَّامِرُ: المَهْزولِ، يقال.... والعميق: البعيدُ سُفلًا. يقال: بئر عَميق ومَعِيق، فيجوز أن يكون مقلوبًا، لأنه أَقَلُّ من الأول قال:
إذا الخيلُ جاءت مِنْ فِجاجٍ عميقةٍ ** يَمُدُّ بها في السيرِ أشعثُ شاحِبُ

يقال: عَمِقَ وعَمُقَ بكسر العين وضَمِّها عَمْقًا بفتح الفاء. قال الليث: عَميق ومَعِيق، والعَميق في الطريق أكثرُ. وقال الفراء: {عميق} لغةُ الحجازِ، و{مَعِيْق} لغةُ تميم. وأَعْمَقْتُ البئرَ وأَمْعَقْتُها، وعَمُقَتْ ومَعُقَتْ عَماقَةً ومَعَاقة وإعْماقًا وإمْعاقًا. قال رؤبة:
وقاتمِ الأعماقِ خاوي المُخْتَرَقْ

الأعماقُ هنا بفتح الهمزة جمع عُمْق، وعلى هذا فلا قلبَ في مَعِيق لأنها لغة مستقلة، وهو ظاهرُ قولِ الليث أيضًا. وقرأ ابن مسعود {فج مَعِيق} بتقديم الميم. ويقال: غَمِيق بالغين المعجمةِ أيضًا.
قوله: {لِّيَشْهَدُواْ}: يجوز في هذه اللامِ وجهان أحدهما: أن يتعلَّقَ بـ: {أَذِّن} أي: أَذِّن لِيَشْهدوا. والثاني: أنها متعلقةٌ بـ: {يأْتُوْك} وهو الأظهرُ. قال الزمخشري: ونكَّر منافع لأنه أراد منافع مختصةً بهذه العبادةِ دينية ودنياوية لا تُوْجَدُ في غيرها من العبادات.
قوله: {ثُمَّ لْيَقْضُواْ}: العامَّةُ على كسرِ اللامِ وهي لامُ الأمرِ. وقرأ نافع والكوفيون والبزي بسكونِها إجراءً للمنفصلِ مُجْرى المتصل نحو كَتْف وهو نظيرُ تسكينِ هاء هو بعد ثم في قراءة الكسائي وقالون حيث أُجْرِيَتْ ثم مجرى الواو والفاء.
والتَّفَثُ قيل: أصلُه مِنْ التَّفِّ وهو وَسَخُ الأظفارِ، قُلِبَت الفاءُ ثاءً كـ: مُغْثُور في مُغْفُور. وقيل: هو الوسخُ والقَذَرُ يقال: ما تَفَثُكَ؟ وحكى قطرب: تَفِثَ الرجلُ أي: كَثُرَ وسخُه في سَفَره. ومعنى {ليقْضُوا تَفَثَهم}: ليصنعوا ما يصنعه المُحْرِمُ مِنْ إزالةِ شعرٍ وشَعْثٍ ونحوِهما عند حِلِّه، وفي ضمن هذا قضاءُ جميعِ المناسك، إذ لا يُفعل هذا إلاَّ بعد فِعْل المناسِك كلِّها.
قوله: {وَلْيُوفُواْ} قرأ أبو بكر {وليُوَفُّوا} بالتشديد. والباقون بالتخفيف. وقد تقدم في البقرة أن فيه ثلاث لغاتٍ: وفي ووفَّى وأوفى. وقرأ بن ذكوان {ولِيُوْفوا} بكسر اللام، والباقون بسكونها، وكذلك هذا الخلاف جارٍ في قوله: {وَلْيَطَّوَّفُواْ}. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإبراهيم مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا}.
أصلحنا له مكانَ البيت وأسكنَّاه منه؛ وأرشدناه له، وهديناه إليه، وأَعنَّاه عليه، وذلك أنه رفع البيت إلى السماء الرابعة في زمن طوفان نوح عليه السلام، ثم أمر إبراهيم عليه السلام ببناءِ البيت على أساسه القديم. قوله: {أَن لاَّ تُشْرِكْ بِى شَيْئًا}، أي لا تلاحظ البيتَ ولا بِناءَك له.
{وَطَهِّرْ بَيْتِىَ } يعني الكعبة- وذلك على لسان العلم، وعلى بيان الإشارة فَرِّغَ قَلبَكَ عن الأشياء كلَّها سوى ذِكْرِه- سبحانه.
وفي بعض الكتب: أوحى الله إلى بعض الأنبياء فَرِّغ لي بيتًا أسكنه، فقال ذلك الرسول: إلهي... أي بيت تشغل؟ فأوحى الله إليه: ذلك قلب عبدي المؤمن. والمراد منه ذكر الله تعالى؛ فالإشارة أن يفِّرِّغ قلبه لذكر الله. وتفريغ القلب على أقسام: أوله نم الغفلة ثم مِنْ توهُّم شيءٍ من الحدثان من غير الله.
ويقال قد تكون المطالبة على قوم بِصَوْنِ القلب عن ملاحظة العمل، وتكون المطالبة على الآخرين بحراسة القلب عن المساكنة إلى الأحوال.
ويقال: {وَطَهِّرْ بَيْتِىَ}: أي قَلبكَ عن التطلع والاختيار؛ بألا يكون لك عند الله حظٌّ في الدنيا أو في الآخرة حتى تكون عبدًا له بكمال قيامك بحقائق العبودية.
ويقال: {وَطَهِّرْ بَيْتِىَ}: أي بإخراج كل نصيب لك في الدنيا والآخرة من تطلعِ إكرام، أو تَطَلُّبِ إنعام، أو أرادة مقام، أو سبب من الاختيار والاستقبال.
ويقال طَهِّرْ قلبك للطائفين فيه من موارد الأحوال على ما يختاره الحق. {والقائمين} وهي الأشياء المقيمة من مستودعات العرفان في القلب من الأمور المُغْنِيةِ عن البرهان، ويتطلع بما هو حقائق البيان التي هي كالعيان كما في الخبر: كأنك تراه.
{وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}: هي أركان الأحوال المتوالية من الرغبة والرهبة، والرجاء والمخافة، والقبض والبسط، وفي معناه أنشدوا:
لست من جملة المحبين إن لم ** أجعل القلبَ بيتَه والمقاما

وطوافي إجالةُ السِّرِّ فيه ** وهو ركني إذا أردتُ استلاما

قوله: {لاَّ تُشْرِكْ بِى شَيْئًا}: لا تلاحظ البيت ولا بِنَاءكَ للبيت.
ويقال هو شهود البيت دون الاستغراق في شهود ربِّ البيت.
{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)}.
أَذَّن إبراهم- عليه السلام- بالحج ونادى، وأسمع اللَّهُ نداءَه جميعَ الذرية في أصلابِ آبائهم، فاستجاب مَنْ المعلوم مِنْ حاله أنه يحج.
وقدَّم الرَّجالةَ على الركبان لأنَّ الحَمْلَ على المركوب أكثر.
ولتلك الجِمالِ على الجمال خصوصية لأنها مركب الأحباب، وفي قريبٍ من معناه أنشدوا:
وإنَّ جِمالًا قد علاها جَمَالُكُم ** وإن قُطِّعَتْ أكبادنا لحبائب

ويقال: {يَأتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} هذا على وجه المدح وسبيل الشكر منهم.
وكم قَدْرُ مسافةِ الدنيا بجملتها!؟ ولَكِن لأَِجْلِ قَدْرِ أفعالهم وتعظيمِ صنيعِهم يقول ذلك إظهارًا لفضله وكرمه.
قوله جلّ ذكره: {لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}.
أرباب الأموال منافعهم أموالُهم، وأرباب الأعمال منافعُهم حلاوةُ طاعتهم، وأصحاب الأحوال منافعهم صفاءُ أنفاسهم، وأهلُ التوحيد منافعهم رضاهم باختيارِ الحقِّ ما يبدو من الغيب لهم.
قوله جلّ ذكره: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ في أَيَّامٍ مَّعْلُوماتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ}.
لأقوامٍ عند التقرُّب بقرابينهم وسوق هَدْيِهم. وآخرون يذكرون اسمه عند ذَبْحهِم أمانيهم واختيارهم بسكاكين اليأس.. حتى يقوموا بالله لله بِمَحَوِ ما سوى الله.
قوله جلّ ذكره: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البائس الفَقِيرِ}.
شاركُوا الفقراء في الأكل من ذبيحتكم- الذي ليس بواجب- لتلحقكم بركاتُ الفقراء. والإشارة فيه أن ينزلوا ساحةَ الخضوع والتواضع، ومجانبة الزَّهْوِ والتكبُّر.
قوله جلّ ذكره: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ}.
ليقضوا حوائجهم وليحققوا عهودَهم، وليوفوا نذورهم فيما عقدوه مع الله بقلوبهم، فَمَنْ كان عقدُه التوبة فوفاؤه ألا يرجعَ إلى العصيان. ومَنْ كان عَهْدُه اعتناقَ الطاعةِ فَشَرْطُ وفائه تركُ تقصيره. ومن كان عهدُه ألا يرجع إلى طلب مقامٍ وتطلُّع إِكرام فوفاؤه استقامته على الجملة في هذا الطريق بألا يرجع إلى استعجالِ نصيبٍ واقتضاءِ حظٍ.
قوله جلّ ذكره: {وَليَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ العَتِيقِ}.
الإشارة في الطواف إلى أنه يطوف بنَفْسه حولَ البيت، وبقلبه في ملكوت السماء، وبِسِرِّه في ساحات الملكوت. اهـ.

.قال التسترى:

قوله: {وَأَذِّن فِي الناس بالحج يَأْتُوكَ رِجَالًا} [27] قال: إن لله تعالى عبادًا يذهبون إلى المساجد بعضهم على السرير، وبعضهم على المراكب من ذهب عليها سندس، وتجرها الملائكة.
قال أحمد بن سالم: كنت في أرض أصلحها، فرأيت سهلًا على فرش فوق ماء الفرات.
وقال: دخلت يوما دار سهل وكان بابه صغيرًا، فرأيت فرسًا قائمًا، فخرجت فزعًا، وتعجبت كيف دخل من هذا الباب الصغير، فرآني سهل وقال: ارجع، فرجعت فلم أر شيئًا.
وحكي أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أشرف على أهل عرفات فقال: لو يعلم الجمع هنا بفناء من نزلوا لاستبشروا بالفضل بعد المغفرة.
قوله: {وَيَذْكُرُواْ اسم الله في أَيَّامٍ مَّعْلُوماتٍ على مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأنعام} [28] يعني الهدايا والضحايا.
وحكي عن فتح الموصلي أنه أشرف في يوم العيد على الموصل، فرأى الدخان في بيوت الناس، فقال: إلهي كم من متقرب إليك في هذه الليلة بقربان، وقد تقربت إليك بقربان، يعني الصلوات، فما أنت صانع فيه يا محبوب.
وحكي عن عدي بن ثابت الأنصاري أنه قال: قربان المتقين الصلاة، والله أعلم.
قوله: {وَلْيَطَّوَّفُواْ بالبيت العتيق} [29] قال: اختلف الناس فيه.
قال الحسن: إنما سماه عتيقًا تكرمه له، كما تقول العرب: جسد عتيق، وفرس عتيق إذا كان كريمًا.
وحكى خاله محمد ابن سوار عن الثوري أنه قال: إنما قيل ذلك لأنه أقدم مساجد الله وأعتقها، كما قال: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا} [آل عمران: 96]، وقال بعضهم: سماه عتيقًا لأنه لم يقصده جبار من الجبابرة بمكيدة إلا قصمه الله تعالى، فأعتق البيت منه.
وقال بعضهم: لأنه أعتق من الغرق في زمن الطوفان، حيث رفع إلى السماء، وكما أعتق الله بيته كذلك أعتق قلب المؤمن من الغير، وهو أقدم مما نصبه الله تعالى علمًا في أرضه وجعله في المسجد الحرام، كذلك القلب له قلب آخر، وهو موضع وقوف العبد بين يدي مولاه، لا يتحرك في شيء إنما هو ساكن إليه. اهـ.